
![]() |
لكن الكثير منها تدهور بمرور الوقت، لدرجة أن بعض النصوص بات غير قابل للقراءة في ظل وجود أجزاء مفقودة منها. وتم أيضاً نقل هذه المصادر الثمينة بعيدا عن مكانها الأصلي، ما يعقّد تأريخها، إذ لا يمكن استخدام تقنية التأريخ بالكربون 14 على المواد غير العضوية.
باريس – أتاحت تقنية للتعلم العميق بالاستناد إلى الذكاء الاصطناعي استعادة نصوص يونانية قديمة من القرن الخامس قبل الميلاد وتأريخها وتحديد موقعها بدقة لا مثيل لها، على ما أظهرت نتائج دراسة نشرتها مجلة “نيتشر”. وتتيح عشرات الآلاف من النقوش على الحجر أو الطين أو المعدن للمؤرخين المتخصصين في النقوش تتبع تاريخ الحضارات القديمة.
ولمساعدة علماء النقوش على فك رموزها، طوّر باحثون من جامعات البندقية وأكسفورد وأثينا وشركة “ديب مايند” التابعة لغوغل أداة للتعلم العميق، وهي تقنية للذكاء الاصطناعي تُستخدم فيها “شبكة عصبية” تحاكي بنية دماغ الإنسان.
تقنية إيثاكا حققت وحدها دقة بلغت 62 في المئة بدمج الكلمات والأحرف الفردية الموزعة بطريقة مشتتة في النصوص
هذه الأداة المسماة “إيثاكا”، في إشارة إلى جزيرة أوديسيوس في “الإلياذة والأوديسة”، تم تدريبها على ما يقرب من 80 ألف مدوّنة مشار إليها في قاعدة بيانات “معهد باكارد للعلوم الإنسانية”، وهي أكبر مجموعة نقوش رقمية باليونانية القديمة.
تأخذ تقنية المعالجة التلقائية للغة في الاعتبار الترتيب الذي تظهر فيه الكلمات في الجمل وعلاقاتها، من أجل وضع سياق لها بشكل أفضل.
وفي ضوء الفجوات المتعددة في النصوص، كان على “إيثاكا” دمج كلّ من الكلمات والأحرف الفردية الموزعة بطريقة مشتتة على الألواح والقطع التي دوّنت عليها. ثم تناولت الأداة مجموعة وثائق من القرن الخامس قبل الميلاد منقوشة على ألواح حجرية ووُجدت في معلم الأكروبول بأثينا.
وقد افترضت الأداة تسلسلات للحروف يمكن أن تملأ الفجوات، بما يتفق مع السياق التاريخي. فعلى سبيل المثال، اقترحت الأداة كلمة “عهد” لتسد ثغرة من ستة أحرف مفقودة في قسم ولاء لمدينة في أثينا.
بعدها يكون الأمر متروكا للمؤرخين لاختيار التوقع الأكثر مصداقية. وقد تم تسهيل عملهم إلى حد كبير، إذ أن أداة “إيثاكا” التي تم تقديمها على أنها “متاحة”، حققت وحدها دقة بلغت 62 في المئة. وعند استخدامها من قبل المؤرخين، يقفز معدل الدقة هذا من 25 إلى 72 في المئة، وفق الدراسة التي نشرت نتائجها مجلة “نيتشر”، ما يبرز التأثير المفيد لهذا “التآزر” بين الإنسان والآلة.
وتقترح أداة “إيثاكا” كذلك مواقع متعددة في 84 منطقة، يمكن رؤيتها على خارطة تسلط الضوء على الروابط الجغرافية عبر العالم القديم.
وتقترح الأداة أخيرا تاريخاً دقيقاً لكتابة الوثائق: وهو عام 421 قبل الميلاد، أي بعد حوالي 30 عاما من التواريخ التقريبية التي اقترحها المؤرخون.
الذكاء الاصطناعي يساهم اليوم في العديد من المجالات الثقافية والفنية كترميم اللوحات الفنية التي مرت بتغييرات كثيرة بعامل الزمن .
وعلقت ثيا سومرسشيلد من جامعة كافوسكاري في مدينة البندقية الإيطالية، وهي من معدّي الدراسة، خلال مؤتمر صحافي بالقول “قد يبدو الأمر تافها لكنه ضروري لفهمنا لأثينا الكلاسيكية، خلال فترة عاش فيها بريكليس وسقراط”. ومن المتوقع أن تنقذ هذه الأداة الآلاف من المخطوطات والكتب النادرة في المكتبات والمتاحف من التلف وترميمها لاعتمادها في البحوث العلمية والاطلاع على الثقافات القديمة من جديد.
ولفتت الباحثة إلى إمكان استخدام أداة “إيثاكا” في جميع اللغات القديمة مثل اللاتينية أو لغة المايا القديمة أو الكتابة المسمارية لبلاد ما بين النهرين.
ويساهم الذكاء الاصطناعي اليوم في العديد من المجالات الثقافية والفنية كترميم اللوحات الفنية التي مرت بتغييرات كثيرة بعامل الزمن.
وأعيد العام الماضي بفضل الذكاء الاصطناعي تكوين لوحة «دورية الليل» الشهيرة للرسام الهولندي رامبرانت بعد أكثر من 300 عام من تعرضها لأسوأ عمل تخريبي عندها قرر الأشخاص الذين تولوا نقلها تقطيعها واستعانوا ببساطة بمقصات لتقطيعها عند كل جانب من الجهات الأربع.
وتم استكمال أجزاء اقتُطعت منها في القرن الثامن عشر وبات في إمكان الزائرين حالياً رؤية العمل بحجمه الأصلي، فبفضل الذكاء الاصطناعي ونسخة صغيرة تعود إلى القرن السابع عشر، توصل علماء إلى إعادة تشكيل القطع الضائعة التي أعيدت طباعتها ووضعها حول التحفة الفنية.
ويشرح روبرت إيردمان وهو عالم في متحف ريكيموزيم على رأس مشروع الترميم أن الحل كان بـ”وضع الذكاء الاصطناعي في مدرسة الفنون”، موضحا “لضمان النجاح، دربت ثلاث شبكات عصبونية صناعية مختلفة على المساهمة في العملية، وهذا نوع من الذكاء الاصطناعي يتيح لنا تلقين جهاز الكمبيوتر من خلال منحه بعض الأمثلة”.
وقد قارن الكمبيوتر بعدها العمل الأصلي والنسخة، وبعد تعلم أسلوب رامبرانت، جرى تشغيله لإعادة تشكيل القطع المفقودة. لقد كانت المحاكاة ناجحة لدرجة أن الآلة نسخت حتى التفسخات الصغرى الظاهرة على سطح العمل، وفق إيردمان.
إرسال تعليق