عقوبات الحكومة المصرية لا تردع مزارعي القمح المتمردين على سلطتها

عقوبات الحكومة المصرية لا تردع مزارعي القمح المتمردين على سلطتها

الحكومة تهدد بحرمان المزارعين من الدعم في شكل أسمدة أو قروض مالية.


القاهرة - لوّحت الحكومة المصرية أخيرا بجملة من العقوبات سوف تلجأ إلى تطبيقها على الممتنعين عن توريد محصول القمح من المزارعين إلى منافذ حكومية، لرغبتهم في الاستفادة من سعر أعلى يطرحه متعهدون يعملون في القطاع الخاص.

وهددت الحكومة بحرمان هؤلاء المزارعين من أي دعم مقدم لهم في صورة أسمدة أو قروض مالية، عقب ظهور ملامح تذمر من أسعار القمح التي طرحتها الحكومة.

وزادت الأزمة بين الحكومة والفلاحين بعد زيادة أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه المصري، عقب قيام البنك المركزي باتخاذ حزمة إجراءات اقتصادية جديدة الاثنين.

وأصدر علي المصيلحي وزير التموين والتجارة قرارا، وصف بـ”التعسفي”، يحظر بيع القمح إلا للحكومة، وتم تحديد سعر الطن بقيمة 5900 جنيه (نحو 300 دولار)، أي بأقل من سعره العالمي الذي وصل في بعض جلسات التداول إلى 400 دولار للطن، ما أثار غضب الفلاحين، لأن القرار يخالف حرية السوق وأحقيتهم في البيع لمن يمنحهم سعرا أعلى.

واستقبل عيد حسن السيد، وهو مزارع ورب أسرة من محافظة البحيرة، بشمال مصر، قرار الحكومة بتذمر ورفض لخطاب الاستعلاء والتهديد والوعيد الذي تطبقه الحكومة مع الفلاحين، وتعاملها بهذه الطريقة مع محصول سهروا عليه لشهور طويلة، وفي ظل أزمة عالمية محتدمة.

الحكومة في مأزق فهي لا تريد الظهور بأنها تحت رحمة الفلاحين وترغب في استمالتهم بالعقوبات، عملا بمبدأ الوصاية السابقة

وأضاف لـ”العرب” أن فرق الأسعار العالمية للقمح الذي كانت الحكومة ستتحمله، في حالة عدم تزامن الأزمة الأوكرانية مع جني المحصول المحلي، هو أولى به.

وقال إنه مستاء من أن جهات رسمية لم تستجب لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بالقدر الذي يُرضي المزارع، بشأن زيادة حافز توريد القمح، حيث تريد تحميله (الفلاح) مسؤولية النقل وتوصيله إلى باب الحكومة ولم ترفع سعره إلا قليلا.

ودعا السيسي الحكومة إلى زيادة الحوافز المقدمة للفلاحين كشركاء في مواجهة تداعيات الأزمة العالمية، لكنها أقرت 65 جنيها فقط، للأردب الواحد، وهو رقم هزيل للغاية أحدث صدمة لدى مزارعين كانوا يترقبون موقف وزارتي الزراعة والتموين لمنحهم مقابلا عادلا للمحصول يتناسب مع الزيادة الكبيرة في الأسعار.

تجاوزت مصر التوريد الإجباري للمحاصيل الزراعية منذ سنوات طويلة، وكانت الحكومة تتمسك بالشراء من الخارج بالأسعار العالمية بالدولار، في حين تتحامل على الفلاح وتجبره على توريد إنتاجه المحلي بالسعر الذي يناسبها، وهو ما يراه فلاحون نهجا مرفوضا لأنهم “حائط صد لتأمين الغذاء في البلاد”.

تعاني العديد من البنوك المصرية حاليا من عجز في توفير العملات الأجنبية، أيّ أن الحكومة لا تمتلك احتياطيا كافيا من الدولار إذا أرادت الاستيراد من الخارج، وهو ما دفعها إلى تحرير جديد لأسعار العملات الأجنبية وزيادة الفائدة أخيرا، لتشجيع من بحوزتهم عملات أجنبية على إيداعها في البنوك المصرية.

ولدى الحكومة حوالي خمسة ملايين طن من القمح تقبع في حقول الفلاحين سيتم حصدها بعد أيام، تكفي لسد العجز لنحو ستة أشهر في البلاد، وإذا أضيفت إلى الاحتياطي الاستراتيجي سوف تتجاوز مصر أزمة نقص القمح حتى نهاية العام الجاري.


وتفتقد الحكومة الحنكة السياسية أحيانا وتصر على التعامل بطريقة تبدو خشنة لا تتناسب مع الأوقات العصيبة، وكأنها تريد ألا يجني الفلاحون مكاسب حقيقية وهم بيدهم مفتاح تجاوز جزء معتبر من الأزمة المرتبطة بتوفير رغيف الخبز.

ووفق قرار وزير التموين، فإن الفلاح إذا قام ببيع القمح خارج منافذ التوريد الحكومية، من دون الحصول على ترخيص مسبق بالنقل أو التخزين، سيكون من حق أجهزتها مصادرة هذه الكميات من المزارع أو التجار أو الوسطاء، والتحفظ على وسيلة النقل نفسها، لأن هؤلاء جميعا مخالفون لما حددته في عملية التصرف في المحصول.

وتخشى دوائر سياسية من اتجاه البعض من الفلاحين إلى تخزين القمح والتمرد على بيعه للحكومة، أمام إصرار وزارة التموين والتجارة الداخلية على استلامه بأقل من سعره العالمي، لأن الفلاح في ريف مصر يشعر بظلم ويعتقد أن الحكومة لا توفيه حقه.

وأكد جمال زهران، الخبير في العلوم السياسية، لـ”العرب” أن إشكالية الحكومة لا تزال في طريقة إدارتها للقضايا المتصلة بالشارع بشكل مباشر، حيث تصدر قرارات مهمة، لكن البعض من المسؤولين يعانون من نقص في الحس السياسي عند مخاطبة الناس، وبدلا من اعتبارهم شركاء في مواجهة التحديات يتم توسيع الفجوة معهم.

وتواجه الحكومة مأزقا، فهي لا تريد الظهور بأنها تحت رحمة الفلاحين، ما يعرضها لضغوط كبيرة، وترغب في استمالتهم بالعقوبات عملا بمبدأ الوصاية السابقة، التي أفقدت الكثير من المزارعين تجاوبهم مع تعليماتها لزراعة أنواع معينة من المحاصيل.

ورغم الشواهد التي توحي بأن خيارات الحكومة محدودة في هذه المسألة لمنع حدوث أزمة في غياب رغيف الخبز، إلا أنها لوحت بالصرامة دون أن توفر الحوافز.

يقول مزارعون تحدثت معهم “العرب” إن تعامل الحكومة مع الفلاحين كأنهم يبيعون ممنوعات تشبه المخدرات، قد يدفعهم إلى طحن القمح وبيعه كدقيق للمخابز بأسعار مجزية، فمهما كانت العقوبات الحكومية بالتوقف عن صرف الأسمدة في الصيف أو الحرمان من القروض البنكية، فإن بيع القمح بالسعر العالمي في الداخل يخفف الخسائر لاحقا.

أترك تعليقا

أحدث أقدم