عقد نفسية ضرورية

عقد نفسية ضرورية



تعتقد أنك سليم تماماً وبلا عقد تلاحقك وتتحكم بسلوكك وحالتك النفسية؟ أنا لا أرى ذلك. ليس من الضروري أن تجلس أمامي على كرسي تحليل نفسي، ولا حاجة لأن أعرض عليك رسوماً بالحبر الأسود تشبه الفراشات لتفسرها فأفهم كيف تفكر. عليك فقط تتبّعُ متلازماتك الخفية لتفهم نفسك.


تعال ننظر في العمق.


إذا كنت ممن يشعرون باضطراب في دقّات القلب، أو بدوخة خفيفة تشبه الإغماء حين ترى منظراً جميلاً، فأنت مصاب بمتلازمة ”ستاندال“. أكثر من ذلك يقول لك ستاندال إنك قد تصاب بالهلوسة لرؤية الفن الراقي المشغول ببراعة.


وعندما زار ستاندال كنيسة سانتا كروتش، التي تضم مدافن مكيافيلي ومايكل أنجو وغاليلو غاليلي كتب يقول ”وصلت إلى نقطة يواجه فيها المرء أحاسيس سماوية، وكان لديّ خفقان في القلب، واستنزفت الحياة مني، وبتُّ أمشي وأنا أخشى من السقوط“. فتخيّل لو أنك لا تشعر بهذه الأمور أمام الجمال. هل تكون معافى سليماً أم أنك مصاب عليل؟


أما إذا كنت ممّن يحبّون الكتب، ويتولّعون بجمعها وقراءتها، فأنت مصاب بمتلازمة ”بيبليومينيا“، وهي وسواس قهري تبدأ أعراضه في مرحلة مبكرة من العمر، وخلالها يشعر المرء بالفرح كلما امتلك كتاباً أو لامسه أو تحسس ورقه وغلافه. وهي طريق من طرق السعادة. ويا له من مرض راقٍ صادفتُ في حياتي الكثيرين ممّن ابتلاهم الله به، إلا أن بعضهم كان غريباً للغاية، فهو لم يكن مثقفاً ولا كاتباً ولا صحافياً، بل كان جامع كتب فقط، يشتريها ويجلّدها ويخزّنها في مكتبته، وأشك أنه كان يقرأ أياً منها، فما أعجب هذا الداء.


وإذا كانت لديك بعض المشاعر تجاه الشمس، ليس في كل حالاتها، بل في لحظة الغروب، فأنت مصاب بمتلازمة أيضاً، تدعى متلازمة ”أوباكروفايل“. ولا أعرف من اخترع هذه المتلازمة، لأنه كان بوسعه أن يضمّنها متلازمة الشروق أيضاً، فالحالتان من أجمل لحظات الوجود. لكنّني أجد له عذراً فالكلمة ذاتها تعني ”الحب“ في اللاتينية القديمة. واللغة هي أمّ المتلازمات كلها، ومنها تم اشتقاق ”النيكتوفيليا“ وتعني الإنسان المصاب بعشق الليل وعوالمه.


أما أنت عزيزي القارئ فعبر المسافات أطمئنك وأقول إنك مصاب بمتلازمة ”نيفيليباتا“، ولو لم تكن كذلك لما تركت السوشال ميديا والموبايل والتلفزيون والأخبار وخصّصت دقائق من وقتك لقراءة هذه الزاوية. من يفعل مثل ذلك في هذا العصر؟ أما هذه النيفيليباتا فهي مشتقة من اللغة البرتغالية، وتشير إلى السحاب، والمقصود بها شخص يعيش في خيالاته وأحلامه وكأنه يعيش فوق الغمام. ونحن نشدّ على يديك في متلازمتك هذه، فالخيال والحلم هما مفتاحا المستقبل لا الواقع. 

أترك تعليقا

أحدث أقدم