مستوى إضافي من القوة: حفنة مليارديرات تسيطر على الإعلام العالمي

مستوى إضافي من القوة: حفنة مليارديرات تسيطر على الإعلام العالمي




لندن- حذر محللون من أن صفقة شراء الملياردير الأميركي إيلون ماسك لتويتر البالغة 44 مليار دولار تمثل “تطورًا مخيفًا” لتعزيز المليارديرات سلطتهم السياسية من خلال شراء العديد من شركات الإعلام الكبرى والأكثر نفوذاً في العالم.


ونقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن كلير إندرز مؤسسة “إندرز أناليزيس” قولها إن المليارديرات يشترون الصحف لمنح أنفسهم “مستوى إضافيّا من القوة”. وأضافت أن “علامة تجارية إعلامية واحدة من كل خمس علامات تجارية على الأقل مملوكة لحكم القلة أو أصحاب المليارات”.


ورأى المحاضر في دراسات التاريخ والإعلام في جامعة ولاية كاليفورنيا إيست باي في الولايات المتحدة نولان هيغدون أن رغبة ماسك في شراء تويتر تتجاوز إرادة التحكم في الخطاب العام وتشكيله. اليوم المكافئ لحكم القلة -حفنة من الأميركيين فاحشي الثراء يلتهمون أجزاء متزايدة من المشهد الإعلامي- أن تكون لديهم إمكانية الوصول إلى البيانات الشخصية للمستخدمين ومستهلكي الأخبار.


وخلال العصر الذهبي في أواخر القرن التاسع عشر وفي العقود الأولى من القرن العشرين استخدم قادة الصناعة الأميركيون -مثل ويليام راندولف هيرست وجاي جولد- ثرواتهم الهائلة للسيطرة على الاقتصاد، بما في ذلك وسائل الإعلام الإخبارية. لقد كانوا من نواح كثيرة نموذجًا أوليًا لحكم القلة التي تُعرّف بأنها “قادة أعمال أثرياء للغاية يتمتعون بقدر كبير من التأثير السياسي”. 



ويجادل البعض بأن الولايات المتحدة الآن في خضم العصر الذهبي الثاني الذي تم تعريفه -مثل الأول- من خلال التفاوت الهائل في الثروة والنزعة الحزبية المفرطة وكراهية الأجانب ومجموعة جديدة من الأوليغارشيين الذين يستخدمون ثرواتهم الهائلة لشراء وسائل الإعلام وكسب النفوذ السياسي.


وعلى مدى العقد الماضي قام العديد من المليارديرات الأميركيين بشراء وسائل الإعلام الإخبارية مثل “بوسطن غلوب” و”لاس فيغاس ريفيو جورنال” و”أتلانتيك” و”لوس أنجلس تايمز”. ولعل المثال الأكثر شهرة هو جيف بيزوس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أمازون، الذي أنفق 250 مليون دولار من صافي ثروته البالغة 170 مليار دولار لشراء صحيفة “واشنطن بوست” في عام 2013.


وعلى مدى عقود من الزمن عبّر علماء الإعلام عن قلقهم من أن الثروة غير المقيدة واللوائح الحكومية الفاترة مكّنتَا حفنة من الشركات من السيطرة على تغطية وسائل الإعلام الإخبارية في الولايات المتحدة.


هذا التملك لصناعة الإعلام في أيدي الأثرياء هو، كما قال الباحث الإعلامي روبرت ماكينزي، تهديد للديمقراطية الصحية التي تستلزم أن يتمتع الناخبون بإمكانية الوصول إلى وفرة من الآراء المتنوعة والمعلومات المتدفقة بحرية.


وتمامًا مثل الأوليغارشية الأميركية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يدرك المليارديرات اليوم أنه من خلال التحكم في التدفق الحر للمعلومات يمكنهم التحكم في المشاركة الديمقراطية للناخبين أو تشكيلها. وعلى سبيل المثال، بعد شراء إمبراطور القمار شيلدون أديلسون مجلة “لاس فيغاس ريفيو” بفترة وجيزة أظهرت تقارير المجلة أن القصص المتعلقة بالملياردير تخضع للرقابة أو يتم تغييرها حتى يتمكن من إدارة الصورة العامة لأعماله في المدينة التي تركز على المقامرة.


وبالمثل، قال بعض النقاد إنه منذ شراء بيزوس صحيفة “واشنطن بوست” أصبحت تغطيتها لموقع أمازون ضعيفة بشكل ملحوظ، وصارت الصحيفة قاسية على خصوم بيزوس السياسيين.


ومع ثروة تقدر بـ268 مليار دولار اعتبارًا من أبريل 2022، أصبح ماسك يمتلك أحدث وأغنى منصة وسائط إعلامية، بعد اختيارة شراء وسيلة التواصل الاجتماعي تويتر بدلاً من وسيلة إخبارية تقليدية.


ووجد استطلاع أجرته مؤسسة “بيو” أن 23 في المئة من الأميركيين يستخدمون موقع تويتر، وقال 7 من كل 10 مستخدمين إنهم يعتمدونه كمصدر للأخبار.


وتعد التهديدات المحتملة التي يشكلها الملياردير الفردي الذي يتحكم في تويتر أكثر تعقيدًا وخطورة من تلك التي يواجهها مالكو وسائل الإعلام الأثرياء السابقون، الذين لم يتمكنوا إلا من التأثير على الأخبار.


وحتى قبل أن يسعى ماسك لشراء تويتر، كان وادي السيليكون بالفعل تحت سيطرة مليارديرات يديرون عددًا قليلاً من الشركات المعروفة مثل فيسبوك (ميتا) وأمازون وأبل ونتفليكس وغوغل (ألفابيت).


وتُستمد أرباح هذه الشركات من نظام اقتصادي جديد أطلق عليه الأستاذ بجامعة هارفارد شوشانا زوبوف “رأسمالية المراقبة”.


وفي ظل رأسمالية المراقبة يكون المستخدم هو المنتج؛ أي أن الشركات تجمع معلومات عن المستخدمين وتبيعها للمهتمين بالتنبؤ بالسلوك البشري.


وفي هذا السياق لا يعد ماسك مجرد نسخة حديثة من أوليغارشية القرن التاسع عشر بل ستمكنه سلطته من تشكيل الخطاب العام بقصص ذات إطار ضيق وإزالة محتوى محدد؛ كما سيمتلك قدرا كبيرا من البيانات الشخصية أيضا.


لقد أتاح عصر رأسمالية المراقبة للمليارديرات فرصًا جديدة للتأثير علىالناس؛ فمثل أسلافه في العصر الذهبي الأول، يمكن لماسك تحديد التقارير التي يراها المستخدمون ولا يرونها على منصته. وعلى عكس أسلافه، يمكنه أيضًا تتبع المستخدمين ومراقبتهم وجمع البيانات المربحة التي يمكن استخدامها للتنبؤ بسلوكهم.

أترك تعليقا

أحدث أقدم