اللاجئون السوريون في تركيا تحت ضغط العودة إلى بلادهم

اللاجئون السوريون في تركيا تحت ضغط العودة إلى بلادهم




أورفا (تركيا) - لا تنفكّ سميرة تسمع ليلا نهارا التصريح نفسه من المسؤولين الأتراك “على السوريين العودة إلى بلادهم”، إلا أنّ منزلها الكائن في ضواحي دمشق لا يزال غير آمن.


السيّدة البالغة من العمر 44 عاما واحدة من مئات الآلاف من السوريين الذين لجأوا إلى محافظة شانلي أورفا التركية التي يجمعها خطّ حدوديّ طويل مع سوريا.


وتسبّب النزاع في سوريا منذ اندلاعه عام 2011 بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية وأدى إلى تهجير الملايين من السكان داخل البلاد وخارجها. وكانت تركيا من اللاعبين الأساسيين في الصراع ودعمت المطالبين برحيل الرئيس السوري بشار الأسد وفتحت حدودها للاجئين.


وتستضيف تركيا حوالي 3.7 مليون لاجئ سوري. ونشأت توترات على مرّ السنين، لاسيما في صيف 2021، بين اللاجئين والسكان المحليين الذين يواجهون أزمة اقتصادية ومالية حادة.


اللاجئون متخوفون من استغلالهم في الانتخابات التركية في وقت يواجه الرئيس أردوغان غضبا شعبيا متناميا


ووضعت موجة الاضطرابات الاقتصاديّة الأخيرة وارتفاع معدّلات التضخّم وتراجع قيمة الليرة التركيّة، اللاجئين السوريين تحت ضغط هائل.


وتؤكّد سميرة أنّها لم تشعر بضغط مماثل منذ أن وصلت إلى تركيا سنة 2019. وتقول من بيتها المتواضع في شانلي أورفا التي تستضيف قرابة نصف مليون لاجئ سوريّ، أي ما يعادل ربع عدد سكّان المحافظة “لا أفكّر في العودة” إلى الغوطة الشرقية قرب دمشق “لقد دمّروا منزلنا. الوضع سيّء هناك”.


ويتخوّف اللاجئون من استغلال قضيّتهم في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة التركيّة المنتظرة في يونيو عام 2023، في وقت يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غضبا شعبيا متناميا حول استضافتهم في البلاد.


وكان حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، وعد في حال فوزه بالانتخابات بأن يغادر جميع السوريين تركيا “خلال عامين”، فيما اعترف زعيم حزب النصر اليميني المتطرّف أنّه موّل فيديو حظي بانتشار واسع على مواقع التواصل الاجتماعي يهدف إلى تخويف الأتراك من “غزو صامت” للاجئين.


ومطلع الشهر الحالي أعلن أردوغان أنه يحضّر “لعودة مليون” سوري إلى بلدهم على أساس تطوّعي، من خلال تمويل استحداث ملاجئ وبنى مناسبة لاستقبالهم في شمال غرب سوريا، بمساعدة دولية.


وتقول سميرة، رافضة الكشف عن اسمها الكامل، وهي جالسة على وسادة على الأرض “أعيدوا السوريين إلى بلادهم، أعيدوا السوريين إلى بلادهم… هذا ما نسمعه يوميا من الصباح حتّى المساء على شاشات التلفزة”.


وتتساءل “لماذا لا يحبوننا؟ نحن نحاول بناء حياة هنا والاتكال على أنفسنا. السياسيون يستخدمون قضيّتنا للدعاية الانتخابيّة”.


وعلى الرغم من ضغوط الأحزاب المعارضة، وعد أردوغان بأنه لن يرسل أبدا اللاجئين السوريين إلى بلادهم بالقوة، قائلا “لن نعيدهم إلى أفواه القَتَلة”. لكنّ هذا الكلام لا يطمئن اللاجئين.


PreviousNext

وعلى بعد أمتار قليلة من منزل سميرة، تقف أمّ محمد خلف منضدة في متجرها المخصّص لبيع الخبز السوريّ والزيتون والفول وسلع أخرى، معبّرة عن عدم استيعابها لأسباب تبدّل الموقف حيال اللاجئين.


وتقول بخجل “نحن خائفون للغاية، ونشعر بضغط شديد”، مضيفة “بصفتنا أجانب، علينا أن نحافظ على تهذيبنا طوال الوقت”.


وتشرح أمّ محمّد أنّ زوجها من المنشقّين عن الجيش النظاميّ السوري “لا يمكننا قطعا العودة، إذا عدنا سيقتلوننا”.


وقبل تسع سنوات، تزوّجت فاطمة إبراهيم (30 عاما) لاجئا سوريا بعد هروبها إلى تركيا. وتقول إنّ الأزمة الاقتصاديّة تطال السوريين كما الأتراك.


وخسر زوجها عمله في الحدادة خلال جائحة كوفيد – 19، وقبل أسبوعين بدأ العمل كمزارع في محافظة قونيا على بعد 700 كيلومتر من مكان سكنهم. وتقول فاطمة وهي جالسة أرضا محاطة بأطفالها الثلاثة “يدفع لنا أرباب العمل أجورا منخفضة ما يثير غضب السكّان المحليين الذين يلقون اللوم علينا لقبولنا بمبالغ أقلّ مما يجنون عادة”.


وتضيف “أحيانا نسمع من السكّان أنّنا تسبّبنا بخسارة وظائفهم ويجب علينا العودة. ويقول لنا البعض: سوريا بحال أفضل الآن لم لا تعودوا؟ أنتم السبب في ارتفاع الأسعار، وهذا محزنٌ بالنسبة إلي”.


موجة الاضطرابات الاقتصاديّة الأخيرة وارتفاع معدّلات التضخّم وتراجع قيمة الليرة التركيّة، وضعت اللاجئين السوريين تحت ضغط هائل


إلا أنّ العودة ليست خيارا بالنسبة إلى فاطمة، قائلة “لن أعود مطلقا، سأبقى هنا أو أهرب نحو أوروبا، لا أملك خيارا ثالثا”.


وتوضح فاطمة أنّها تتجنّب الاختلاط للابتعاد عن المشاكل، مع الحفاظ على حدّ أدنى من التواصل مع السكّان، قائلة “لا أتبادل الزيارات مع الجيران، لا نختلط ببعضنا”.


وتتحدّث هيفاء (39 عاما)، معلّمة اللغة الإنجليزيّة، اللغة التركيّة بطلاقة بعد مضيّ تسعة أعوام على وجودها في تركيا.


 وتقول المرأة المتحدرة من حلب في شمال سوريا، إنها لا تتحدّث العربيّة كي لا تلفت الأنظار و”للحفاظ على سلامتها” بعد تعرّضها لاعتداءات لفظيّة في الشارع.


وتشير إلى أنّ القضايا السياسيّة تؤثّر على اللاجئين أكثر من القضايا الاقتصاديّة، إذ يقول البعض لهم “عودوا إلى بلادكم، إنكم تستمتعون بوقتكم هنا في وقت يُقتَل جنودنا هناك”.


ومنذ العام 2016، شنّت أنقرة مع فصائل سورية موالية لها ثلاث عمليات عسكرية واسعة النطاق في شمال سوريا ضد المقاتلين الأكراد بشكل رئيسي كما تم طرد تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق محاذية لتركيا. وأتاحت لها العمليات السيطرة على منطقة حدودية واسعة تضم العديد من المدن الرئيسية.


وتقول هيفاء “أتعتقدون أنّه من السهل أن نترك كل شيء خلفنا؟ المنزل، الذكريات، كلّ شيء؟ ألا نتمكّن حتّى من زيارة قبر والدنا أو والدتنا؟”.  

أترك تعليقا

أحدث أقدم