الدبيبة يقدّم خارطة طريق نحو فوضى سياسية أكبر

الدبيبة يقدّم خارطة طريق نحو فوضى سياسية أكبر

رئيس الحكومة الليبية يسعى للتخلص من مجلسيْ النواب والدولة بتفعيل ملتقى الحوار السياسي.


عندما فُتحت أبواب واشنطن للدبيبة

من مرشح صدفة في ملتقى الحوار السياسي الليبي إلى سياسي طموح يقدم خططا ثورية تتجاوز كل تشكيلات الحكم والتشريع في ليبيا: نهم عبدالحميد الدبيبة للسلطة لا يعرف حدودا.


طرابلس / إسطنبول – طرح رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة خارطة طريق سياسية للخروج من الأزمة الراهنة مثيرة للجدل، حتى بمعايير ليبيا الملتبسة والمتغيرة.

ولا يكمن التباسُ الخارطة المقترحة في دعوته إلى الاستفتاء على الدستور وتنظيم انتخابات برلمانية تليها انتخابات رئاسية بحلول يونيو، بل في آليات تنفيذها.

ويقدم الدبيبة في خطته لتنظيم الانتخابات مقترحات ثورية وغير تقليدية تخلط بين الآليات والتشريع والموقف السياسي من الهيئات التشريعية القائمة؛ فعلى الرغم من أنه يتهم كلا من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بعرقلة إجراء الانتخابات إلا أنه يعتبرهما جزءا من آليات تنفيذ خطته.

 


ويذهب الدبيبة بعيدا في اختيار مفردات الآليات التي يسخرها في مشروعه ليقترح إحياء ملتقى الحوار السياسي، صاحب الفضل في وصول الدبيبة إلى رئاسة الحكومة، للعب دور المُشرع إذا رفض مجلسا النواب والدولة تمرير قانون الانتخابات البرلمانية التي ستقترحها لجنة فنية (إدارية) تشكلها الحكومة.

ويبرر رئيس الحكومة الليبية سبب لجوئه إلى خطته الثورية، التي بمقتضاها يتهمه خصومه بمحاولة السطو على اختصاصات السلطة التشريعية، بأن خارطة الطريق التي “توافق” عليها مجلسا النواب والدولة “ستؤدي حتما إلى الحرب”، خاصة وأن الطبقة السياسية المهيمنة لا تريد الاستماع إلى أصوات المواطنين الرافضة “للتمديد”.

ومع تمرير أفكار الخارطة الفوضوية يراهن الدبيبة على التركيز على وَعْد الليبيين بعطايا مالية وإغراءات لفئة الشباب في محاولة لكسب ود الليبيين الذين عانوا من الحرمان ونقص الخدمات على مدى أكثر من عقد بعد سقوط حكم معمر القذافي.

ما هي الخارطة

تتمثل خطة الدبيبة في أن تشكل الحكومة لجنة فنية لإعداد مشروع قانون الانتخابات البرلمانية بالتشاور مع مجلس الوزراء الذي يتولى تقديم مشروع قانون الانتخابات البرلمانية إلى المجلس الأعلى للدولة، وفقا للاتفاق السياسي، ثم يحال إلى مجلس النواب، لإقراره خلال أسبوعين.

وتفترض الخطة جدلا تعذُّرَ ذلك، بسبب تعارض المصالح، فيحال مشروع قانون الانتخابات إلى ملتقى الحوار السياسي للموافقة عليه، ويصدر بمرسوم رئاسي من المجلس الرئاسي.

وحددت الخطة هذه المرحلة بأربعة أسابيع، أي في حدود الرابع عشر من مارس المقبل كحد أقصى.


الدبيبة أمام طريق مسدود، ورجال الدولة الذين كانوا ملتفين حوله لا يقدمون له الدعم اللازم في أحلك الظروف


وفي حالة تعذر إنجاز هذا المسار يتم اعتماد قانون الانتخابات البرلمانية رقم 2، والذي اعتمده مجلس النواب في 2021، والذي على أساسه أجريت الانتخابات البرلمانية في 2014 (قبل تعديله في 2021).

وتنطلق العملية الانتخابية قبل انتهاء المرحلة الانتقالية التي حددها ملتقى الحوار السياسي بيوم الرابع والعشرين من يونيو 2022.

وتضع مفوضية الانتخابات بالتشاور مع الحكومة والمجلس الرئاسي جدولا زمنيا للانتخابات، يتضمن تسجيل الناخبين (استدعاء الهيئة الناخبة) واستكمال قوائم المترشحين وتوفير الوقت الكافي للحملة الانتخابية.

ويُجرى الاستفتاء على مشروع الدستور وفق التعديل العاشر للإعلان الدستوري، وقانون الاستفتاء المحال للمفوضية العليا للانتخابات.

وتقترح الخطة إجراء الاستفتاء على الدستور بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، على أن يختص البرلمان القادم باستكمال المسار الدستوري.

ويلوّح الدبيبة بإمكانية إجراء الاستشارة الإلكترونية أو التصويت الإلكتروني في حال محاولة أي طرف استخدام القوة.

ولم يحدد الدبيبة في خطته أي مهلة زمنية بشأن الانتخابات الرئاسية، باستثناء ترحيلها إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية والاستفتاء على الدستور، لكنه وعد بتسليم السلطة لحكومة منتخبة وعدم الترشح للرئاسيات رغم حظوظه الوافرة في الفوز بها.

أين تكمن المشاكل



أحد أبرز الانتقادات التي وجهت إلى خطة الدبيبة أنها منحت لنفسها سلطة اقتراح مشروع قانون الانتخابات البرلمانية، الذي يُعد من صلاحيات مجلس النواب.

وأوّل الأطراف التي انتقدت هذه الخطة هيئة الرقابة الإدارية، التي طالبت الدبيبة بسحب قرار تشكيل لجنة تتولى إعداد مسودة قانون الانتخابات البرلمانية، لأنه مخالف للقانون باعتبار أن الحكومة مهمتها “تصريف الأعمال” وليس “تجاوز اختصاصات السلطة التشريعية”.

كما أن المفوضية العليا للانتخابات من المستبعد أن تتجاوب مع هذه الآلية، إذ قال أبوبكر مردة عضو المفوضية إن “مقترح الدبيبة بتشكيل لجنة وصياغة قانون للانتخابات، لا بد أن يحال إلى مجلس النواب أولا، بصفته الجهة التشريعية”.

فالإعلان الدستوري الليبي لا يمنح الحكومة صلاحية تقديم مشاريع قوانين للبرلمان، كما هو متعامل به في جميع البلدان المستقرة سياسيا، إلا في حالات استثنائية، كتلك التي استند إليها الرئيس التونسي قيس سعيد في تبرير قرار تعليق البرلمان وإقالة الحكومة وحل المجلس الأعلى للقضاء.

“فالخطر الداهم” الذي يمكن أن يستند إليه الدبيبة للقيام بإجراء استثنائي يتمثل في حديثه عن أن مسار مجلس النواب “سيؤدي حتما إلى الحرب”.

لكن السلطة التنفيذية ليست بيد الدبيبة وحده؛ فالمجلس الرئاسي معني -بالدرجة الأولى- بالإجراءات الاستثنائية بما فيها حل البرلمان.

والدبيبة يُقر بأن المجلس الرئاسي معني بإصدار قانون الانتخابات البرلمانية بمرسوم رئاسي، بعد إقراره من ملتقى الحوار السياسي، إذا تعذر على البرلمان اعتماده.

لكن مواقف المجلس الرئاسي المعلنة ليست على نفس إيقاع حكومة الدبيبة، بل لا يعتبر المجلس نفسه طرفا في هذا الصراع، ويقترح الوساطة بين الدبيبة وفتحي باشاغا، رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب.

وحضّر الدبيبة نفسه جيدا لمثل هذا السيناريو، لذلك تقترح خطته أن يتم إجراء الانتخابات البرلمانية بنفس القانون الذي أجريت به انتخابات 2014، والذي عدل في 2021، رغم كل ما أثير حوله من انتقادات.


المجلس الرئاسي لا يريد إلقاء حبل النجاة إلى حكومة الدبيبة التي سبق وأن دخل معها في صدامات عديدة


وحتى إن تم تجاوز مشكلة قانون الانتخابات البرلمانية فإن مفوضية الانتخابات برئاسة عماد السائح لا تبدي تحمّسا لتنظيم الانتخابات دون ضوء أخضر من مجلس النواب في طبرق.

والمجلس الرئاسي لا يريد هو الآخر إلقاء حبل النجاة إلى حكومة الدبيبة التي سبق وأن دخل معها في صدامات عديدة بعدما رفضت طلبه تعيين وزير للدفاع، وأيضا بعد إقالته لوزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، وفي كلتا الحالتين عطل الدبيبة القرارين.

فالدبيبة أمام طريق مسدود، ورجال الدولة الذين كانوا ملتفين حوله لا يقدمون له الدعم اللازم في أحلك الظروف، وأحسنهم يفضل الحياد في انتظار معرفة مَن ستميل إليه الكفة.

غير أن الدبيبة حصل على هدية لا تقدر بثمن، بعد أن صوت أغلبية أعضاء مجلس الدولة على رفض قرارات مجلس النواب، وهو ما يعطل صفة التوافق ويدعم خطة حكومة الوحدة.

ويبقى أمام الدبيبة خياران: إما عقد اتفاقات وتقديم تنازلات لكل من المجلس الرئاسي والمفوضية العليا للانتخابات، للشروع في تنظيم الانتخابات، أو ممارسة الضغط الشعبي عليهما لدفعهما نحو دعم خيار الانتخابات في يونيو.

الخيار الأخير لجأ إليه الدبيبة فعليا، حيث دعا الأربعاء المواطنين “للخروج إلى الميادين لإنجاح هذه المبادرة”، قائلا “لا توجد أي قوة تستطيع أن تعارض إرادة الشعب”.

وحتى وإن نجحت حكومة الدبيبة في إقناع المؤسسات الدستورية في طرابلس بالمشاركة في تنظيم الانتخابات والإشراف عليها، فإنه في المقابل لن يسمح مجلس النواب بطبرق وباشاغا ورجل الشرق الليبي القوي خليفة حفتر بإجراء الانتخابات في مناطق سيطرتهم ونفوذهم، وهو ما سيؤدي إلى إسقاطها قانونا.

ومن الواضح أن الدبيبة وضع هذا الاحتمال في الحسبان، لذلك يقترح إجراء التصويت الإلكتروني برقابة دولية لتفادي عرقلة الانتخابات.

لكن لو فرضنا جدلا أن حكومة الدبيبة نجحت في إجراء الانتخابات البرلمانية بالتزامن مع الاستفتاء على مشروع الدستور، فإن ذلك لن يؤدي سوى إلى ترسيخ الانقسام، لأن الطرف الآخر لن يقبل على الأغلب بنتائج هذه الانتخابات ولا بالدستور الذي سينتج عن الاستفتاء؛ ففرص نجاح خطة الدبيبة محدودة في غياب آليات تنفيذها، لكن نجاحها سيفضي إلى الانقسام ولن يبعد شبح الحرب.

أترك تعليقا

أحدث أقدم