النفط يكسر حاجز التقلبات في رحلة الوصول إلى الذروة

النفط يكسر حاجز التقلبات في رحلة الوصول إلى الذروة

الأسعار تتخطى المئة دولار لأول مرة منذ 2014.



فاجأت قفزة قياسية في أسعار النفط المحللين والرؤساء التنفيذيين لبعض شركات النفط مع كسر الخام حاجز جدار التقلبات في رحلة الوصول إلى الذروة للمرة الأولى منذ ثمانية أعوام بعد أن كانوا يستبعدون وصوله إلى هذا المستوى بهذا المنحى السريع.

لندن - حققت أسعار النفط الخميس أكبر مكاسب لها منذ 2014 إثر هجوم روسيا على أوكرانيا مما أحبط التوقعات التي تفيد بأن السعر لن يصل إلى مئة دولار للبرميل قريبا وفاقم المخاوف من أن الحرب قد تعطل إمدادات الطاقة العالمية.

ففي يوليو الماضي وبعد أشهر قليلة من تصاعد الجائحة أعلن بن فان بوردن الرئيس التنفيذي لشركة شل أن الطلب العالمي على النفط ربما تجاوز ذروته ولن يعود إلى ما كان عليه، وكأنه أصدر بذلك حكما يضع النشاط الرئيسي لشركته على طريق الزوال.

وقال بوردن للصحافيين بعد أن أعلنت شركته انخفاضا حادا في أرباح الربع الثاني من 2021 حينها إن “تعافي الطلب سيستغرق وقتا طويلا، هذا إنْ تعافى”.

ولم يكن بوردن وحيدا في رأيه المتشائم، فقد كان ما يحدث في أسواق الوقود غير مسبوق شأنه شأن الكثير من الأحداث خلال الجائحة.

وكان الطلب قد انخفض بشكل حاد بعد توقف الناس عن السفر، وببساطة لم تستطع صناعة النفط تقليص الإنتاج بالسرعة الكافية لمجاراة التراجع.

والأسوأ من ذلك جاء الانخفاض في الطلب بينما كانت روسيا والسعودية، صاحبتا أكبر نفوذ في تكتل أوبك+ للدول المنتجة، تخوضان حرب إمدادات أغرقت الأسواق.

وبلغت وفرة النفط حدا لم تتوفر معه أماكن تخزين كافية، وفي منتصف أبريل 2020 هوى سعر البرميل من خام غرب تكساس الوسيط دون الصفر إذ اضطر البائعون إلى دفع المال للتخلص منه.

ولكن بعد أقل من عامين يبدو أن تنبؤات بوردن وغيره عن نهاية عصر النفط كانت سابقة لأوانها، فقد بلغ سعر مزيج برنت القياسي في المعاملات الآجلة 100 دولار للبرميل في الوقت الذي أمر فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالقيام بعمليات عسكرية في أوكرانيا.


وعزز احتمال اضطراب الإمدادات في حالة نشوب الحرب موجة صعود الأسعار التي دعمها تعافي الطلب على النفط بوتيرة أسرع من قدرة منتجي النفط على مجاراته.

وفي العام الماضي فاق استهلاك النفط على مستوى العالم حجم المعروض بنحو 2.1 مليون برميل يوميا وفقا لتقديرات وكالة الطاقة الدولية كما أنه سيفوق مستوياته لعام 2019 في العام الجاري.

واضطر موردو النفط إلى استنفاد المخزونات لتلبية الطلب حتى مع تدخل تحالف أوبك+ للتأقلم مع السوق العالمية، وأصبحت الدول المستهلكة تناشد الشركات الكبرى مثل شل استخراج المزيد من النفط.

وعلى مدار تاريخ النفط تكررت تلك الدورة مرارا. وقال فيل فلين المحلل لدى برايس فيوتشرز غروب في شيكاغو لرويترز “إذا عدت إلى أيام زيت الحوت يتضح لك أن النفط كان قصة ازدهار وكساد”.

وأضاف “فهي دورة من القمة إلى السفح، وعندما تبلغ السفح في العادة يجب أن تستعد لأن القمة ليست بعيدة جدا”.

وأثار انهيار أسعار النفط في أوائل 2020 تحركات سياسية ربما لم تكن لتخطر على البال.

واشتد قلق الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب من احتمال انهيار الشركات المحلية حتى أنه وجه إنذارا لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مكالمة خلال أبريل طالبه فيها بخفض الإنتاج وإلا فإنه سيجازف بسحب القوات الأميركية من البلد الخليجي.

كما تزايدت الضغوط من المستثمرين والحكومات على منتجي النفط لخفض الانبعاثات. وفي منتصف مايو 2021 قالت وكالة الطاقة الدولية إنه يجب ألا يُخصص تمويل جديد لمشاريع النفط والغاز إذا كانت الحكومات تأمل أن تمنع أسوأ التداعيات لتغير المناخ.
وكان ذلك تحولا جذريا في موقف مؤسسة لطالما كانت من كبار المدافعين عن الوقود الأحفوري وخاصة المنتجين الأميركيين.

ودفع دور التحول في استخدام الطاقة في السياسة شركات النفط الأوروبية الكبرى إلى الامتناع عن الاستثمار في زيادة الإنتاج ولذا كان رد فعلها الطبيعي لارتفاع الأسعار، أي ضخ المزيد من النفط، أبطأ كثيرا من المعتاد.

ولم يكن لدى عدد من الدول أعضاء تكتل أوبك+ السيولة الكافية لصيانة حقول نفطية خلال فترة الجائحة مع انهيار الاقتصاد وأصبحت الآن عاجزة عن زيادة الإنتاج إلى حين إتمام أعمال باهظة الكلفة تستغرق وقتا طويلا.

أما الدول التي تملك قدرة إضافية على زيادة الإنتاج، مثل السعودية والإمارات، فترفض أن تتجاوز حصصها في الإمدادات انسجاما مع اتفاقات أوبك+
.

وتباطأت صناعة النفط الصخري الأميركي، التي كانت أهم منتج مرن في العالم في الفترة من 2009 إلى 2014، في استعادة مستوى الإنتاج وسط ضغوط من المستثمرين لزيادة العوائد المالية بدلا من الإنفاق. وزرع كل ذلك بذور موجة الازدهار الحالية.

والآن تُشجع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تريد مكافحة التغير المناخي وفي الوقت نفسه حماية المستهلكين من ارتفاع أسعار الوقود، شركات النفط على زيادة نشاطها وتطالب أوبك+ بإنتاج المزيد من النفط. كما تطالب وكالة الطاقة الدولية بزيادة الإنتاج أيضا.

ويرى سكوت شيفيلد الرئيس التنفيذي لشركة بايونير ناتشورال ريسورسيز الأميركية للنفط الصخري أن هذه المهمة قد تكون صعبة.

وقال للمستثمرين الأسبوع الماضي إن “أوبك+ لا تملك القدرة الإنتاجية الاحتياطية الكافية للتصدي لارتفاع الطلب العالمي” وإن شركته “ستقصر نمو الإنتاج على ما بين الصفر والخمسة في المئة”.

وقال مايك تران من آر.بي.سي كابيتال لرويترز إن “ما سيحقق توازن السوق في نهاية المطاف هو الأسعار المرتفعة لا الإمدادات الجديدة”.

ولكن آخرين يرون أن الإمدادات ستزيد في نهاية الأمر، فالازدهار رغم كل شيء يتحقق دائما قبل الكساد.

وقال بوب فيليبس الرئيس التنفيذي لشركة كريستوود إكويتي ومقرها هيوستون “نعتقد أن سعر 100 دولار للخام يجلب معه كل المساوئ، من زيادة كبيرة في الإمدادات وبسرعة كبيرة. ولا نعتقد أنه مستدام”.

واتفق هووي لي الخبير الاقتصادي في أو.سي.بي.سي مع هذا الموقف. وقال إن “المشكلة ليست فقط المخاطر الجيوسياسية، وإنما أيضا زيادة الضغط على الإمدادات”.

وأضاف “إمدادات النفط الروسية ستختفي بين عشية وضحاها إذا واجهت عقوبات ولا تستطيع أوبك الإنتاج بالسرعة الكافية لسد هذه الفجوة”.

وقال بعض أعضاء أوبك إن المنظمة وحلفاءها ليسوا في حاجة إلى زيادة الإنتاج أكثر لأن اتفاقا محتملا بين إيران والقوى العالمية سيزيد الإمدادات. ويكافح بعض أعضاء أوبك بالفعل لتحقيق الأهداف الحالية.


وقالت اليابان وأستراليا الخميس إنهما مستعدتان للاستفادة من احتياطاتهما النفطية، إلى جانب دول أخرى أعضاء في وكالة الطاقة الدولية، إذا تضررت الإمدادات العالمية بسبب الأعمال العدائية في أوكرانيا.

ويحذر المحللون من ضغوط تضخمية على الاقتصاد العالمي بسبب المنحى الصعودي لأسعار الخام، خاصة بالنسبة إلى آسيا التي تستورد معظم احتياجاتها من الطاقة.

وقال فريدريك نيومان الخبير الاقتصادي في بنك أتش.أس.بي.سي “تأتي أسعار النفط المرتفعة في وقت صعب بشكل خاص”.

وأضاف “لا يزال الوضع معلقا في آسيا بسبب احتياجاتها الهائلة من واردات الطاقة. ومن شأن ارتفاع أسعار النفط أن يأخذ قسماً كبيراً من الدخل والنمو خلال العام المقبل”.

أترك تعليقا

أحدث أقدم