مراكش (المغرب)– كشف المؤتمر الذي عقده التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في المغرب حقيقتين الأولى أن أفريقيا صارت قبلة التيارات المتطرفة، والثانية أن قادة القارة يجدون أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع الإرهاب دون سند حقيقي من شركائهم الغربيين.
وفيما باتت فرنسا خارج دائرة الزعامة في الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء بسبب حسابات خاطئة، تجد الولايات المتحدة نفسها بعيدة عن هذه الحرب لاعتبارات من بينها أن واشنطن باتت تتبنى مقاربة المواجهة عن بعد من خلال عمليات استهداف محدودة بواسطة عمليات جوية نوعية أو من خلال الحرب بالوكالة بدعم بعض الحكومات في خوض الحرب.
ناصر بوريطة: 27 كيانا إرهابيا في أفريقيا مشمولة بعقوبات أممية
ويقول خبراء في التنظيمات المتشددة إن فرنسا باتت عنصر تعطيل وإرباك للحرب على الإرهاب بسبب سياستها التي تقوم على فكرة قيادة الحرب واستثمار ذلك سياسيا لإظهار أنها ما تزال اللاعب الأول في أفريقيا، وأن على قادة القارة الاعتراف بذلك والتعامل معه كحقيقة وإظهار الاحترام اللازم لها ولسياستها.
لكن هذه السياسة حرفت اتجاه المعركة من بناء حلف متين ضد الإرهاب إلى صراع بين فرنسا وحلفائها المفترضين في المعركة، خاصة بعد أن عملت باريس على التصرف كوصيّ من خلال التدخل المباشر في شكل السلطة، وهو أمر حساس في دول مثل مالي التي شقت عصا الطاعة في وجه الدور الفرنسي بالمنطقة.
وتعاملت فرنسا مع ردة فعل السلطات العسكرية في مالي بردة فعل غير محسوبة، فقد قررت وقف عملياتها ضد الإرهاب في هذا البلد، وفتحت ثغرة في المعركة مع المتشددين تهدد بالالتفاف على المكاسب التي حققتها خلال سنوات. كما أنها دفعت مالي إلى البحث عن شركاء آخرين بعيدا عن باريس، حيث لجأت السلطات العسكرية الانتقالية إلى روسيا وفتحت الباب أمام تدفق عناصر فاغنر لتجد باريس نفسها في مواجهة تحد جديد يهدد نفوذها التقليدي في المنطقة.
واتّهم رئيس وزراء مالي شوغل كوكالا مايغا فرنسا بأنها “تخلّت” عن بلاده “في منتصف الطريق” بقرارها سحب قوة برخان، مبرراً بذلك بحث بلاده عن “شركاء آخرين”، من بينهم “شركات خاصة روسية”.
وقال رئيس الوزراء المالي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي إن “الوضع الجديد الذي نشأ بسبب انتهاء مهمة برخان، والذي يضع مالي أمام أمر واقع ويُعرّضها لما يشبه التخلّي في منتصف الطريق، يقودنا إلى استكشاف السبل والوسائل لكي نضمن على نحو أفضل الأمن (…) مع شركاء آخرين”.
وأضاف أن المطلوب هو “ملء الفراغ الذي سينشأ حتما عن إغلاق بعض مواقع برخان في شمال مالي”، مندداً بـ”قلة تشاور” باريس وإعلان “أحادي” صادر من دون تنسيق ثلاثي مع الأمم المتحدة والحكومة المالية.
ماثيو ليفيت: لا يجب انتظار أن يشكل الإرهاب تهديدا مباشرا للولايات المتحدة
وفي الوقت الذي تسعى فيه فرنسا لتأمين انسحاب من الحرب على الإرهاب ودفع الدول الأفريقية للمواجهة على أن تكتفي باريس بالإشراف والتوجيه، فإن الولايات المتحدة لا تبدو معنية أصلا بهذه الحرب.
ويقول الخبراء في الحركات المتشددة إن أميركا أميركتان، أميركا وزارة الخارجية التي تبحث عن حلول مثالية تمرّ عبر المشروع الديمقراطي، والأخطر فيه اتهام أفريقيا بالانحراف عن الديمقراطية، وكأن القارة في الأصل واحة للديمقراطية، وهذا التوجه الذي يتسم بانعدام المسؤولية من شأنه أن يضعف الحكومات ويربكها بما يساعد داعش على التمدد وكسب أنصار على الأرض.
وهناك أميركا وزارة الدفاع (البنتاغون) التي تقدّر بفضل اطلاعها على الحقيقة على الأرض تفاهة مقاربة الديمقراطية في مواجهة داعش. لكن البنتاغون يجد نفسه في مواجهة أفكار ساذجة للقيادة السياسية من بينها تقليص الجهود في مواجهة الإرهاب والتركيز على المنافسة مع الصين.
ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض حدّ الرئيس الأميركي جو بايدن من استخدام الطائرات المسيّرة ضدّ الجماعات الجهادية خارج ساحات الحرب التي تُشارك فيها الولايات المتحدة، وهي استراتيجية تلخص الانسحاب الأميركي التام من هذه المعركة.
وكانت استراتيجية الولايات المتحدة ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 تقوم على “الدفاع الأمامي العدواني”، أي محاربة الإرهابيين في أماكن انتشارهم بدلا من مقاتلتهم داخل الولايات المتحدة.
وفي مايو 2021 كتب ماثيو ليفيت وهو مدير برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في معهد واشنطن “سواء أكان تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية أو الجماعات الأخرى في أفريقيا تشكل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة اليوم أم لا، فإن أفريقيا أصبحت بؤرة إرهابية سريعة النمو”.
وحذر ليفيت حينها من “الانتظار إلى أن ينتشر هذا التهديد الإرهابي ويشكل فجأة تهديدا مباشرا للولايات المتحدة، قبل اتخاذ قرار الانخراط بشكل نشط في المساعدة على مكافحة الإرهاب في أفريقيا”.
ولاحظ المراقبون أن حماس الولايات المتحدة لم يكن واضحا لمواجهة الإرهاب في مؤتمر المغرب للتحالف الدولي ضد داعش، حيث كان من المتوقع أن يترأس وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن المؤتمر مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، لكن نابت عنه المسؤولة الثالثة في وزارته فيكتوريا نولاند.
وقالت نولاند أثناء المؤتمر “نجتمع اليوم لنتقاسم التزامنا بالعمل على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية هزيمة دائمة، في العراق وسوريا، وكذلك في القارة الأفريقية والعالم بأسره”.
وقال وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة إن “27 كيانا إرهابيا متموضعا في أفريقيا هي اليوم مسجلة على لائحة المنظمات المشمولة بعقوبات، يفرضها مجلس الأمن الدولي”.
وارتفع عدد “الحوادث الإرهابية” في منطقة الساحل الأفريقي بمعدل 43 في المئة ما بين 2018 و2021، وفق أرقام أميركية رسمية.
وأعلنت واشنطن عزمها على صرف مساعدات بنحو 120 مليون دولار لدعم بلدان أفريقيا جنوب الصحراء بهدف “توقيف الإرهابيين وملاحقتهم وإدانتهم”.
وإذا كان تنظيم الدولة الإسلامية خسر السيطرة على معظم الأراضي التي كان يحتلها في العراق وسوريا، فإن التهديد الذي يمثله لم ينته بعد.
وقال ناصر بوريطة الأربعاء “لا نزال يقظين إزاء تهديد تنظيم الدولة (الإسلامية) الذي لم يتراجع بعد”.
إرسال تعليق